متابعة
كانت اولى الدعوات لتأسيس كلية الآداب برزت في عام 1936 , حين عرض وزير المعارف صادق البصام, مشروعاً يهدف الى تحويل دار المعلمين العالية الى كليتين واحدة للآداب واخرى للعلوم, كي تكونا مع كليتي الطب والحقوق نواةً لتأسيس الجامعة غير ان ذلك المشروع لم يلقَ تأييداً واسعاً, لكنه أسهم في توجيه أذهان وزراء المعارف والمهتمين بشأن الجامعة الى ضرورة مواصلة الجهود لتأسيس الجامعة.ارتبط تأسيس كلية الآداب والعلوم بتأسيس جامعة بغداد والعكس صحيح, اذ استدعت وزارة المعارف عام 1942, البروفسور هملي (Hamli) الاستاذ في جامعة لندن, وتم تعيينه في وزارة المعارف بصفة " المستشار الفني" ثم قرر مجلس الوزراء في العام نفسه تأليف " لجنة الجامعة " وهي اول لجنة بذلك الشأن, ومنحت وزارة المعارف رئاسة اللجنة الى البروفسور هملي, وتحت اشرافه وعضوية عمداء الكليات وكبار رجال التعليم في بغداد وفريق من كبار موظفي الدولة, وانحصر عمل اللجنة بدراسة " مشروع الجامعة".بدأت اللجنة عملها ووضعت تقريراً مفصلاً عن التعليم العالي في شباط 1943 , وكان ابرز ما توصلت اليه اللجنة, ان اكثر الكليات القائمة حينها هي كليات مهنيةلا يمكن ان تكون اساسا لجامعة تدرس فيها العلوم الطبيعية والفلسفية والادبية والرياضيات, بتعبير اخر ان مستوى دراسة تلك العلوم في الكليات الموجودة حينها ليس بمستوى عالٍ, ومن ثم قدمت اللجنة مجموعة توصيات في تقريرها كان اول تلك التوصيات هو " انشاء كليتي الآداب والعلوم بأسرع وقت ممكن, وابقاء دار المعلمين العالية على حالتها ككلية اعدادية لكليتي الآداب والعلوم وجعل تدريس الموضوعات التربوية والنفسية من اختصاص كلية الآداب كما هو الحال في الجامعات البريطانية ", اما بقية التوصيات فكانت بشأن الجامعة وموقعها وتسميتها ونظامها .على اية حال, واجه موضوع تأسيس كلية الآداب والعلوم صعوبات كثيرة كانت اشدها من بعض النخب الاكاديمية التي كانت تخشى اساساً من موضوع الجامعة, مخافة ذهاب مكانتهم ومناصبهم بعد اندماج كلياتهم داخل الجامعة, وبما ان تأسيس كليتي الآداب والعلوم النواة الاولى لتأسيس الجامعة, فقد ظهرت اعتراضات وانتقادات على ضرورتها ووجودها ومستقبل خريجيها, لكنها اثبتت بمرور الوقت عكس ذلك تماماً.في السياق نفسه, قدم مستشار وزارة المعارف الجديد المستر سكيف (C. H. O. Scaife) في عام 1946 , مقترح تأسيس كليتي الآداب والعلوم, وتكون مدة الدراسة فيهما خمس سنوات, ثلاث منها سنوات دراسة عامة وسنتان دراسة اختصاصية يحصل الخريج بعدها على راتب شهري مقداره ثمانية عشر ديناراً, واذا ما امضى سنة في التدريب المهني فان راتبه يصبح واحداً وعشرين ديناراً, واقترح ان يطبق منهاج خاص في كليتي الآداب والعلوم, اذ يحصل الطالب بموجبه بعد التخرج على درجة علمية, واضاف ان ذلك المنهاج يمكن ان يطبق ابتداءً من ايلول 1946 , ويجري اما تحت اشراف دار المعلمين العالية او في كلية اخرى اذا ما توافرت الوسائل والمستلزمات الخاصة بكلية الآداب والعلوم.استمرت جهود المعنيين بذلك الشأن, ففي عام 1947 جاء الى بغداد بدعوة من وزارة المعارف البروفسور آرثر. أي. مورغن (Arthir. E. Morgan) وهو رئيس القسم التربوي في المعهد البريطاني في لندن, اذ طلبت منه وزارة المعارف مساعدتها في اعداد تقرير عن تأسيس جامعة بغداد. وفي الثاني والعشرين من ايار 1947 , اعطت وزارة المعارف تقريرها الخاص عن تأسيس الجامعة الى البروفسور مورغن, فقدم الاخير تقريره في شهر حزيران من العام نفسه. وجاءت من بين ملاحظات تقرير البروفسور مورغن, ان تكون اول خطوة في تأسيس الجامعة انشاء كليتين تتألف من قسمي الآداب والعلوم المجردة, وان تلغى كلية الحقوق ويؤسس مكانها فرع للحقوق والادارة تابع لكلية الآداب, وان يكون هناك تعاون بين رئيس الفرع وعميد الكلية بشأن آلية القبول, وكتب البروفسور مورغن, في تقريره ايضاً انه لابد من تشكيل لجنة متخصصة لوضع خطة شاملة لتأسيس الجامعة يكون من ضمن مهامها تأسيس كليتي الآداب والعلوم عام 1948.في الشأن نفسه, استغلت وزارة المعارف زيارة الخبير السير شارلز. جي. داروين (CH. G. Darwin) الى بغداد وشُكلت لجنة ضمت الخبيرين الفنيين السير شارلز جي داروين والدكتور آرثر أي مورغن, وتمكنا من وضع تقريرهما في شهر آذار 1948 , الخاص عن تأسيس جامعة بغداد, ورأت اللجنة ان اول الامور التي تدعو اليها الحاجة عند وضع هيكل الجامعة, تأسيس كلية للآداب وكلية للعلوم, لكون هاتين الكليتين مركزيتين في كل جامعات العالم ، بعد تأكيد تلك التقارير ضرورة انشاء كليتين للآداب والعلوم, اصبحت قناعة لدى المسؤولين العراقيين عن السياسة التعليمية واصحاب القرار, ان الاعداد لتأسيس الجامعة تبدأ مرحلتها الاولى بكليتين واحدة للآداب والثانية للعلوم. وبعد ان رأت اللجنة التي شكلتها وزارة المعارف من عمداء الكليات تلك القناعة اوضحت انه بالإمكان فتح كليتي الآداب والعلوم على اقل تقدير في خريف عام 1949 او في عام 1950 , على ان تفتح قبلها بعام واحد " الكلية الاعدادية " (ويقصد بها الكلية التوجيهية) بناءً على ما ورد في تقريري السير شارلز. جي. داروين والدكتور آرثر. أي. مورغن, الخاص بتأسيس الجامعة, اذ تكون مهمة الكلية التوجيهية اعداد خريجي الدراسة الثانوية لدخول كلية الآداب والعلوم.اجتمعت " لجنة الجامعة " في الرابع عشر من حزيران 1949 , للنظر في اعداد الملاك التدريسي لكليتي الآداب والعلوم ليتم افتتاحها في العام الدراسي التالي فقد رأت لجنة الجامعة عبر اجتماع عقدته في وزارة المعارف مع جميع عمداء الكليات في بغداد ضرورة اصدار قرار بشأن تأسيس كلية الآداب والعلوم, وبالفعل طالب المجتمعون في تموز 1949 , مجلس الوزراء بتأسيس هاتين الكليتين وتابعت وزارة المعارف اتصالاتها بالوزارات المعنية للتنسيق بشأن افتتاح الكلية امام الطلاب للعام الدراسي 1949-1950, اذ افتتحت في تشرين الاول 1949 وهي تقبل كلا الجنسين للدراسة فيها.ومن الجدير بالذكر, انه في العام الدراسي الاول 1949-1950 , الحق بكليتي الآداب والعلوم فرع ثالث باسم " الكلية التوجيهية " واصبحت تحت اشراف ادارة كلية الآداب والعلوم, وبذلك كانت الوثائق الصادرة خلال تلك المدة تحمل اسم " كلية الآداب والعلوم والتوجيهية". اصبحت الكلية التوجيهية فرعاً من فروع الكلية, اذ يدرس فيها الطلبة المقبولون في كلية الآداب سنة واحدة لرفع مستواهم العلمي واللغوي, لكن هذا الفرع الغي في العام الدراسي 1950-1951. مما تجدر الاشارة اليه, ان " كلية الآداب والعلوم " عملتا في الواقع ككليتين منفصلتين, والعلاقة بينهما هي العمادة واستمر ذلك لغاية عام 1958 , اذ انفصلت الكليتان واصبح لكل كلية عميد خاص ومتخصص في مجالاتها. ومهما يكن من امر, أُسست كلية الآداب وضمت في البداية ثلاثة اقسام هي: اللغة العربية وآدابها, والاجتماعيات(التاريخ والجغرافية), والفلسفة.بما ان تأسيس كلية الآداب جاء قبل تأسيس الجامعة فقد حدد موقعها في منطقة باب المعظم وتحديداً في بناية مدرسة الفنون المنزلية مقابل كلية الملكة عاليـــة, وذلـك وفق مـا ذكــــر فــــي الكتــاب التعريفي لكلية الآداب. وذكر الطلبة الذين دخلوا الكلية خلال تلك المدة ان بناية الكلية السابقة هي الان " ملحق المعهد الطبي التقني " في منطقة باب المعظم, ومع بداية تأسيس كلية الآداب كانت اقسامها الثلاث مجتمعة في مبنى واحد وهي بناية صغيرة وبسيطة على حد وصف صالح احمد العلي, احد اساتذة الكلية عند تأسيسها عام 1949.