فينسينت فان جوخ


متابعة

ڤان غوغ (ڤنسنت -)(1853-1890) ڤنسنت ڤان غوغ Vincent van Gogh مصور ورسام هولندي وأحد رواد الفن التشكيلي الحديث ومؤسس المدرسة التعبيرية. ولد في قرية غروت زوندرت Groot-Zundert الهولندية وتوفي في أوفر - سور-  واز Auvers- sur- Oise بفرنسا. وهو من أسرة فقيرة يعيلها والده القس البروتستنتي. كان أكبر إخوته الستة، ومنذ طفولته بدا ميالاً إلى العزلة محباً للطبيعة، متمسكاً بالقيم الروحية وفقاً للمبادئ المسيحية التي نشأ عليها والتي تدعو إلى التواضع والمحبة. ولكن هذه القيم التي تمسك بها اصطدمت بالتقاليد المتزمتة للطبقة المتوسطة التي أفرزها العصر الصناعي في أواخر القرن التاسع عشر، مما دفع ڤان غوغ إلى التمرد عليها ومواجهتها.تقسم حياة ڤان غوغ القصيرة والتي لم تتجاوز السبعة والثلاثين عاماً إلى مرحلتين: المرحلة الأولى مرحلة النشوء والضياع، واستمرت من الطفولة حتى بلوغه السابعة والعشرين من العمر (1880)، والمرحلة الثانية مرحلة اكتشافه لقدراته الفنية وتطورها، وتقسم بدورها إلى فترتين: الفترة الهولندية (1880-1886) واستمرت ست سنوات، والفترة الفرنسية التي استمرت أربع سنوات، وفيها تعرّف مدارس الفن الحديث، وانتقل إلى جنوبي فرنسا حتى وفاته (1886-1890)، وقد تبلور فيها أسلوبه الفني، ويعد ما أنتج من أعمال في هذه المدة القصيرة أغزر إنتاج لفنان عرفه تاريخ الفن التشكيلي.المرحلة الأولىبعد أن ترك الدراسة وهو في السادسة عشرة من عمره صار موظفاً في محل لبيع اللوحات التابع لشركة غوبيل Goupil في مدينة لاهاي، ولكن لعدم صبره في ملاطفة الزبائن؛ طرد من العمل ونُقل إلى أحد فروع الشركة في لندن، وهناك هام حباً بفتاة مخطوبة مما زاد في حدة طبعه وتوتره، فترك العمل وعاد إلى أمستردام ليدرس علم اللاهوت في جامعتها وليعمل من ثم مبشراً في أحد الأديرة، ولكن سرعان ما هجر الدير كرهاً بقيوده ليقوم بالتبشير منفرداً بين عمال المناجم الفقراء في منطقة بوريناج Borinage البلجيكية، ولكي يكون منسجماً مع مبادئه الإنسانية والفقر المحيط به لبس الثياب البالية ولوث نفسه بسواد الفحم الحجري، ليبدو أكثر فقراً من مريديه، وشيئاً فشيئاً تردت حياته إلى حالة من التشرد والضياع.المرحلة الثانيةفي شتاء عام 1880 عندما كان له من العمر سبعة وعشرين عاماً، وجد في الرسم مخرجاً من مآسيه وتفريجاً عن اضطرابه النفسي، فكانت سنة تحول مهمة في حياته؛ إذ ترك التبشير وتفرغ لدراسة الرسم والتصوير الزيتي في أنڤرس Anvers عام 1882، معتمداً على معونة مالية شهرية صغيرة كان يرسلها له أخوه الأصغر ثيو Théo الذي كان يعمل في محلات غوبيل في باريس، وقد ساعدت هذه المعونة على توفير معيشة متواضعة للفنان طوال حياته، رافقتها مراسلات بين الشقيقين، طبعت فيما بعد بثلاثة مجلدات عبَّرت عن آراء الفنان وفلسفة العصر الذي عاش فيه، وعبرت عن الحب الكبير الذي كنّه ثيو لأخيه الكبير. وفي متحف أنڤرس تعرف ڤان غوغ أعمال الفنان روبنز Rubens، وكان شديد الإعجاب بحيويتها وقوة تعبيرها، وعمد إلى نقل بعضها إضافة إلى نقل أعمال الفنان ميليه Millet.بدت أعماله في بداية هذه المرحلة متأثرة بأسلوب الفنان ميليه، فقد رسم الفلاحين البؤساء والعمال الكادحين ومناظر طبيعية وطبيعة صامتة بألوان ترابية ودرجات قاتمة. ومن لوحاته المشهورة في هذه الفترة: «آكلو البطاطا» و«النساجون» (1885).وبعد أن أخفق بالاقتران بفتاة بادلته الإعجاب وذلك لمعارضة أهلها، ومحاولتها الانتحار، واتهامه من قبل الأهالي بإثارة المشكلات، غادر هولندا ليلتحق بأخيه في باريس عام 1886، حيث بدأت أهم مرحلة في حياته.وفي باريس حيث كان يقام المعرض الثامن والأخير لفناني المدرسة الانطباعية، التقى أغلب رواد الفن الحديث من الانطباعيين والانطباعيين الجدد أمثال بيسارو Pissaro وسورا Seurat وإميل برنار E.Bernard وتولوز لوترك T.Lautrec وغوغان Gauguin، واطّلع على أعمالهم وكان لذلك الأثر الأكبر في طرد العتمة ودخول اللون المشرق إلى لوحاته، كلوحة «مقهى السيرين» (1887) التي صورت بالأسلوب الانطباعي، وكان لاطلاعه على أعمال الفن الياباني في محل بائع اللوحات الأب تونجي إضافة إلى مشاهدته أعمال الفنانين الكبار مثل دولاكروا Delacroix الفضل في إعادة التماسك والمتانة إلى تكويناته، وشيئاً فشيئاً حوَّل ڤان غوغ ألوان الانطباعيين الرطبة إلى ألوان صريحة كلون الشمس الأصفر الملتهب واللون الأزرق المتموج، كما هرب من المنظور الهندسي التقليدي والهوائي الانطباعي ليستعيضها بخواص برودة اللون وحرارته لتحديد البعد الثالث. وقف ڤان غوغ مع الفنانَين سيزان Cézanne وغوغان ضد الفكر الانطباعي الذي كان همه تسجيل اللحظات العابرة في الطبيعة، وعمل الثلاثة معاً على إعادة تجسيد القيم الرمزية والتعبيرية الإنسانية بتقانات مستحدثة وفكر تشكيلي مختلف، فمهد سيزان بذلك لظهور المدرسة التكعيبية، ومهد ڤان غوغ وغوغان للمدرستين التعبيرية والوحشية.وبعد إقامته سنتين في باريس، ضاق بجو الفنانين فارتحل إلى منطقة أرل Arles في جنوبي فرنسا حيث الشمس متألقة والجو أكثر صفاء، وهناك دعا الفنان صديقه غوغان لزيارته وارتبطا بصداقة متينة، كانت تتخللها غالباً نقاشات حامية، وكان غوغان بذكائه وميله إلى الدعابة يستثير صديقه ڤان غوغ وينتهي ذلك بخروج الأخير عن طوره، حتى إنه لحق بغوغان ذات مرة شاهراً سكينه، وما كان من غوغان إلا التصدي له، فتقهقر ڤان غوغ إلى غرفته حزيناً نادماً على فعلته، وبادر إلى قطع أذنه بالسكين وأرسلها إلى فتاة في ملهى ليلي مجاور، وفي اليوم التالي وُجد مغمياً عليه، فنُقل إلى المستشفى حيث أُسعف، وراحت تنتابه بعد هذه الحادثة نوبات الهلوسة والصرع، وعلى إثر شجار مع أولاد الحي رأى أن يدخل مستشفى للأمراض النفسية في سان ريمي Saint-Rémy. وفي أثناء هذه الفترة كان يصور بغزارة ودون توقف، حقول القمح والغربان وأزهار عباد الشمس وأشجار السرو والكراسي والأحذية ومجموعة صوره الشخصية autoportrait، وكانت مشاعره المتأججة تنساب إلى ريشته بيسر وسرعة مستخدماً ألواناً صريحة وضربات ريشة عريضة وثقيلة، وتتصاعد بدوامات حلزونية.

 ولكي يبقى برعاية أخيه، انتقل إلى باريس عام 1890 ليقيم في مأوى أوفر - سور - واز الذي كان يرعاه الدكتور غاشيه Gachet إذ ارتاحت نفس الفنان لهذا الطبيب الغريب الأطوار والمحب للفن. وفي أحد أيام تموز/يوليو الحارة عام 1890 أحسَّ الفنان بقدوم إحدى نوبات الصرع فاستعار مسدساً وأطلق على نفسه رصاصة أودت بحياته بعد يومين من الألم، ومات بين ذراعي أخيه. وسار في جنازته قليل من محبيه مثل كاميل برنار C.Bernard وهنري روسو H.Rousseau والطبيب غاشيه والأب تونجي، وزرعت أزهار عباد الشمس حول قبره في أوفر.كانت حياة ڤان غوغ الدراميتيكية القصيرة، وأعماله الفنية المتميزة التي أثرت في تطور المدارس الفنية التي تلت وفاته كفيلة بجعل هذا الفنان شخصية تاريخية عالمية، وصورة نمطية ومثالية للفنان المتمرد، فقد أنتجت أفلام سينمائية عن حياته، وتوزعت لوحاته في أكبر المتاحف العالمية، ولاسيما متحف ڤان غوغ في أمستردام Amsterdam، ويحتفل العالم كل عام بذكرى ولادته ووفاته، ووصلت أسعار لوحاته اليوم إلى مبالغ خيالية.