متابعة
سوق الصفافير أو الصفارين وهو سوق ترجع تسميته بهذا الأسم نسبة للصفر (معدن النحاس)، حيث يشتهر هذا السوق بصناعة الصحون والأواني المنزلية وأباريق الشاي والكاسات والملاعق، وإطارات الصور. ما أن تدخلهُ حتى تسمع أصواتَ الصنّاع وهم يطرقون النحاسَ بمطارقهم التي تلتمعُ تحت أشعة الشمس، إنّه سوق الصفافير، وهو أحد أقدم أسواقِ بغداد. سوق الصفافيرِ صناعةٌ وهويّة يتفرّعُ سوق الصفافير أو الصفارين من شارع الرشيد العريق، أحد أقدم شوارع بغداد، ورغم أن أسواقاً عديدة تحملُ الاسم ذاته في مدن أخرى، مثل البصرة والحلة، إلا أن سوق بغداد له فرادته وخصوصيته، بالنظر لقدمه وشهرته، وقد جاءت التسمية الصفر أو النحاس، إذ كان الصنّاع في هذا السوق يزودون البيوت البغدادية وبيوت المحافظات الأخرى بالأباريق والأواني النحاسية ذات الألوان الزاهية والمتانة السميكة. إضافةً إلى وجوده التجاري، فإنه يحمل هوية بغدادية أصيلة وجمالاً بغدادياً أثيراً، تجعل الناس يرتادونه من أجل التجوال لا الشراء فحسب، لأن التاريخَ ينطقُ بواسطة أصوات المطارق التي ترنُّ هنا وهناك. لكن اليوم يواجه سوق الصفافير خطر الاندثار وتوشكُ معالمه أن تتلاشى، فسابقاً كان الكثير من السواح يرتادونه أما الآن فالسوق في أسوأ أحواله، حتى أن السائح قد يكون متفاجئاً حين يصادف الإهمال الذي يتعرّض له. مهنة يرثها الأحفادُ من أجدادهم يضمُّ سوق الصفافير مجموعة من المحلات العتيقة المنتشرة في الأزقة الواقعة في منطقة باب الأغا قرب الشورجة في شارع الرشيد، مقابل مبنى جامع مرجان، حيث تباع المصنوعات والأدوات النحاسية التي بدأت تعاني من الكساد بسبب دخول الصناعات المستوردة ذات السعر الزهيد والأشكال الملائمة لتطورات العصر وتغيراته. وفي الحقيقة فإن وجود سوق الصفافير يعود لعصر الخلافة العباسية، وقد كان سوقاً في درب المسعودة في محلة سوق الثلاثاء، لتوفير احتياجات طلاب المدرسة النظامية والمدرسة المستنصرية. وللصنّاع في هذا السوق تاريخ بعيد، لذلك حافظَ بعضهم على المهنة التي ورثها من أسلافه، وهذا ما يخبره علي عبد (23 سنة) للميادين نت وهو صاحب محل في السوق: "ورثتُ هذا المحل عن أبي وأبي ورثه عن جدي، وهي مهنة نحافظ عليها بمرارة نظراً لعدم جود البيئة الآمنة التي تحتضن السياح وتشجّعهم على القدوم واستكشاف هذا السوق الذي يعتبر من أهم أماكن بغداد التراثية". ويردف علي: "لا أحد يشتري التراث العراقي في العراق، ولا يوجد تسويق للحضارة العراقية، وهذا ما أثّرَ سلباً على السوق، فقد كنا سابقاً نغلق المحلات في الليل، أما الآن فمع حلول الظهيرة يفرغ السوق بالكامل، ناهيك عن أن الكثير من المحال بدأت تترك المهنة تدريجياً، وحين يغلق محلٌ يفتح بمكانه محل لبيع القماش مثلاً، لكننا نحاول البقاء وإعادة السوق لموقعه المهم". السوق المهدد بالانقراض يعاني سوق الصفافير من الإهمال الحكومي المؤسف، على الرغم من مكانته التاريخية وأصالته، وقد ساهمت عوامل عديدة في هذا الإهمال، لعل أهمها هو استيراد السلع النحاسية الرخيصة من المصانع الأجنبية، إذ انقلبت الأمور، حيث كان الأجانب سابقاً هم من يشترون التحف من سوق الصفافير، ولا سيما تلك التي تتزين بآيات القرآن الكريم، أو التي تكتب بخط عربي وزخرفة جميلة. وفي هذا السياق، يقول أحد أصحاب المحلات في السوق وهو جليل أبو حيدر للميادين نت:" أنا قديم في هذا السوق ، أتذكر أنني في السوق منذ السبعينيات وحتى في زمن حرب الخليج الأولى، كنا موجودين ونصنع التحف وكانت هناك حركة تصنيع جيدة ورائجة، فقد كانت هناك حملة دعم من قبل الدولة من ناحية المواد الأولية أو النحاس بسعر مدعوم تقوم الدولة بإعطائهِ لأصحاب المهن أو أصحاب المحلات، ولكن بعدها جاء الحصار وقلّتْ حملةُ الدعم تلك حتى بدأتْ تختفي ملامحها". ولفت إلى أنه حالياً لا توجد أي مبادرات دعم إطلاقاً. يواجه سوق الصفافير إهمالاً شديداً، وقد يختفي بشكل تدريجي مع أهميته وعراقته، وذلك ما يجعل أصحاب المهن والمختصين يطالبون الجهات الرسمية بالاهتمام به ورعايته، كونه سوقاً تجارياً وسياحياً مهماً إضافة إلى مكانته التاريخية