"تراث العراق المهدد: بين الحروب والإرهاب والإهمال"


متابعة

العراق، مهد الحضارات وأرض التاريخ، يمتلك تراثاً أثرياً لا يضاهى. هذه البلاد التي شهدت ولادة الحضارات الأولى مثل سومر وبابل وآشور، تعد موطناً لبعض من أقدم وأهم المواقع الأثرية في العالم. إلا أن هذا التراث الغني يواجه تهديدات جسيمة نتيجة للحروب المتعاقبة، والإرهاب والإهمال. يهدف هذا التحقيق إلى تسليط الضوء على التحديات التي تواجه الآثار في العراق والجهود المبذولة لحمايتها. تاريخ الآثار في العراق يعتبر العراق أحد أغنى البلدان من حيث التراث الأثري. من مدينة أور، مهد الحضارة السومرية، إلى بابل الشهيرة بحدائقها المعلقة، ومن نينوى عاصمة الإمبراطورية الآشورية إلى سامراء مركز الحضارة الإسلامية، تمتد هذه المواقع الأثرية لتروي قصة تطور الإنسانية على مر العصور. مدينة أور: تقع في جنوب العراق وتعد مركزاً لحضارة سومر التي ازدهرت في الألفية الثالثة قبل الميلاد. تحتوي أور على الزقورة الشهيرة، وهي معبد ضخم مكون من ثلاث طبقات. بابل: بابل، الواقعة بالقرب من نهر الفرات، اشتهرت بحدائقها المعلقة، إحدى عجائب الدنيا السبع. كانت مركزاً للعلم والثقافة في عهد الملك نبوخذ نصر الثاني. 

نينوى: تقع في شمال العراق وكانت عاصمة الإمبراطورية الآشورية. تحتوي على قصور ومعابد ضخمة، بالإضافة إلى مكتبة آشور بانيبال، التي تضم آلاف الألواح المسمارية. التحديات التي تواجه الآثار الحروب والنزاعات المسلحة: تعرض العراق للعديد من الحروب والنزاعات المسلحة على مدى العقود الماضية. حرب العراق في 2003، على سبيل المثال، أدت إلى نهب المتحف الوطني العراقي، حيث فقدت آلاف القطع الأثرية. الأضرار التي لحقت بالمواقع الأثرية بسبب العمليات العسكرية كانت هائلة، والكثير من هذه المواقع لا تزال في حالة تدهور. الإرهاب: تسببت الأنشطة الإرهابية، وخاصة من قبل تنظيم داعش، في تدمير ممنهج للتراث الأثري. داعش قامت بتفجير وتدمير العديد من المواقع الأثرية بدعوى محاربة "الوثنية". من أبرز هذه المواقع مدينة نمرود الأثرية ومدينة الحضر، التي تم تدميرها بشكل كبير. الإهمال ونقص التمويل: تعاني العديد من المواقع الأثرية من الإهمال ونقص التمويل اللازم للصيانة والترميم. هذا الإهمال يؤدي إلى تدهور حالة الكثير من المواقع الأثرية، حيث تُترك عرضة للعوامل الطبيعية والبشرية دون حماية كافية. جهود الحماية والمحافظة المؤسسات الحكومية: الهيئة العامة للآثار والتراث في العراق هي المسؤولة عن حماية وصيانة الآثار. رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية، إلا أنها تعمل على حماية المواقع الأثرية وإعادة تأهيل المتاحف. التعاون الدولي:   تتعاون العديد من المنظمات الدولية، مثل اليونسكو، مع الحكومة العراقية للمساعدة في حماية التراث الثقافي. تم إدراج عدد من المواقع العراقية على قائمة التراث العالمي لليونسكو، مما يسهم في زيادة الوعي الدولي بأهمية هذه المواقع وحمايتها. مشاريع الترميم: تم تنفيذ عدة مشاريع ترميم بالتعاون مع جهات دولية. على سبيل المثال، مشروع ترميم مدينة بابل يهدف إلى إعادة المدينة التاريخية إلى حالتها الأصلية قدر الإمكان. هذه المشاريع تساهم في الحفاظ على التراث الثقافي وتوفير فرص عمل للسكان المحليين. مستقبل الآثار في العراق الحفاظ على التراث الأثري في العراق يتطلب جهوداً مشتركة من المجتمع الدولي والمحلي. زيادة الوعي بأهمية التراث الثقافي وتعزيز التعليم والتدريب في مجال الآثار والترميم يمكن أن يسهم بشكل كبير في حماية هذه المواقع. بالإضافة إلى ذلك، يجب تعزيز التشريعات الوطنية لحماية الآثار وتوفير التمويل اللازم للصيانة والترميم.الآثار في العراق ليست مجرد شواهد صامتة على الماضي، بل هي جزء لا يتجزأ من هوية الشعب العراقي ومن التراث الإنساني العالمي. التحديات التي تواجه هذا التراث هائلة، لكنها ليست غير قابلة للتغلب عليها. من خلال التعاون الدولي والمحلي، يمكن حماية وصيانة هذا التراث الثمين للأجيال القادمة. الحفاظ على هذا التراث هو مسؤولية جماعية تتطلب تضافر الجهود من الجميع.